عقيل الموسوي جيد جدا
عدد المساهمات : 30 نقاط : 82 تاريخ التسجيل : 24/12/2011 الموقع : aaqeel_2003@yahoo.com العمل : مدير عام معلومات اخرى : خبير في شوؤن آنساب القبائل - مؤلف الكتب التاليه: ١-تحفه الالباب في معرفه الانساب ٢- موسوعه شيوخ العشائر العراقيه (ثلاثه اجزاء)٣-آلآعراف العشائريه في ضوء الشريعه الاسلاميه
| موضوع: الوطن في شعر السياب الإثنين ديسمبر 03, 2012 2:42 am | |
| في قرية " جيكور " العراقية القريبة من مدينة البصرة و لد الشاعر بدر شاكر السياب عام 1926 الأب يعمل في زراعة النخيل و بيع التمور .. وما إنْ أكمل السادسة من عمره حتى وقعت الفاجعة التي حولت حياته إلى مأساة حيث أسلمت أمه الروح و هي تضع مولوداً و كانت قد خلفت بدراً و أخوين يصغراه سناً ... حرم بدر شاكر السياب حنان الأم وزادت أزمته حين تزوج أبوه فابتعد عنه ..
وقد أيقظت هذه الحياة الجديدة آلام شاعرنا فوصف هذه الحالة قائلاً :
خيالك من أهلي الأقربين أبي منه قد جردني النساء أبرُّ وان كان لا يعقلُ و أمي طواها الردى المعجلُ
و تلحق الجدّة بالأم و كانت ترعى الشاعر و تعطف عليه فازدادت صدمته لذلك طلب من القبر الذي ضمّ رفاتها أن يعتني بها لأنها كانت ترعاه و هو اليتيم الذي يحتاج إل الحضن الدافئ الحنون يقول في ذلك :
أيها القبر ، كن عليها رحيماً مثلما ربّت اليتامى بلين
و قد تنقل بين جيكور ، و أبي الخصيب ، و البصرة لاستكمال تعليمه .. فالتحق بدار المعلمين في بغداد في العام الدراسي 1943 – 1944 حيث درس عامين في قسم الأدب العربي و انتقل إلى قسم الأدب الانكليزي في العام الثالث ، و في نهاية السنة الخامسة عام 1949 تخرج في دار المعلمين حاملاً شهادة عالية في اللغة الانكليزية . تميّزت حياة السيّاب بالشقاء و القهر و عدم الاستقرار و ظلّ يلازمه شعور بأنه دميم المنظر لا ينال إعجاب الفتيات الحسان لذلك تزوج زواجاً تقليدياً بفتاة من قريته اسمها إقبال طه عبد الجليل و كانت ثمرة هذا الزواج ثلاثة أولاد . و قد مرّ شعر السياب بمراحل عدة أولها المرحلة الرومانسية التي ترافقت بمأساته حين فقد أمه و فقد معها لمسة الحنان فعاش في غربة نفسية أحدثت جرحاً كبيراً بداخله . و قد ازدادت هذه الغربة قتامة و صعوبة عندما هجر قريته جيكور و ذهب إلى المدينة .. و معلوم أنّ شعراء كثيرين عانوا من المدينة التي حرمتهم جمال الريف و نقائه ، و صدمتهم بازدحامها و أبوابها الموصدة فضاعوا و تاهوا على أرصفتها التي ابتلعت أحلامهم و آمالهم .. و هذه الرومانسية التي طبعت شعره في هذه المرحلة لم تكن نتيجة ظروفه القاسية فقط و إنما كانت أيضاً نتيجة حتمية لاطلاعه و تأثره بالأدب و الشعر الغربي .. أما المرحلة الواقعية التي طبعت شعره بطابعها كانت بعد انضمامه إلى الحزب الشيوعي حيث لقي الاضطهاد و التشرد و هنا ازداد إحساسه بالجماعة متجاوزاً الشعور الفردي فالموت الذي أحدث شرخاً كبيراً في نفسه حين ماتت أمه .. أصبح الآن يأخذ شكلاً أكبر متمثلاً بالآخرين من شعبه .. ففاجعته لم تعد فاجعة فردية و إنما فاجعة جماعية و نتلمس ذلك في قصائد عدة له منها حفار القبور ... و المومس العمياء ، و الأسلحة و الأطفال .. و فيها يكبر حسه بالجماعة متجاوزاً الأنا الفردية لذلك يغوص في مشاكله الاجتماعية ليبين الخلل الفاضح يقول في " المومس العمياء " :
الليل يطبق مرة أخرى ، فتشربه المدينه و العابرون إلى القرارة .. مثل أغنية حزينه و تفتحت كأزهار الدفلى ، مصابيح الطريق كعيون " ميدوزا "تحجر كل قلب بالضغينه كأنها نذرٌ تبشر أهل " بابل " بالحريق
إنه يستقرئ المستقبل الذي ينذر بالحريق .. الحريق الذي سيلتهم الجميع بعد أنْ تحجرت القلوب بالحقد و الضغينة :
من أي غاب جاء هذا الليل ؟ من أي الكهوف من أي وجرٍ للذئاب ؟ من أي عشّ في المقابر دفَّ أسفعَ كالغراب ؟ " قابيل " أخفِ دم الجريمة بالأزاهر و الشفوف وبما تشاء من العطور أو ابتسامات النساء ومن المتاجر و المقاهي و هي تنبض بالضيّاء عمياء كالخفاش في و ضح النهار ، هي المدينة ، و الليلُ زاد لها عماها و العابرون الأضلع المتقوسات على المخاوف و الظنون ، و الأعين التعبى تفتش عن خيالٍ في سواها و تعدُّ آنية تلألأ في حوانيت الخمور موتى تخاف من النشور
هنا يخيم الموت على كل شيء ... على المدينة .. على الناس .. على العابرين ... و الكل يمشي متوجساً فمدينتهم أضحت عمياء في واسطة النهار .. و قد زادها هذا الليل المدلهم عماء .. كل شيء يثير الريبة و الخوف الظنون .. هم سائرون لكنهم لا يعرفون ساعة حتفهم .. لا يعرفون من أين يأتيهم الموت لذلك يخاطب هذه الضريرة المدينة بسخرية مريرة :
أين الصباح من الظلام تعيش فيه بلا نهار و بلا كواكب أو شموعٍ أو كوى و بدون نار أو بعد ذلك ترهبين لقاء ربك أو سعيره القبر أهون من دجاك دجى و أرفق ، يا ضريره يا مستباحة كالفريسة في عراءٍ ، يا أسيره تتلفتين إلى الدروب و لا سبيل إلى الفرار
و في هذه المرحلة يميل الشاعر إلى استخدام الأسطورة في شعره بعد أن أعاد للقصيدة العربية ألق ارتباطها بقضايا الجماهير العربية و قصيدته " أنشودة المطر " خير مثال على هذه المرحلة الهامة في شعره .. ففي هذه القصيدة يرتبط الشاعر ارتباطاً وثيقاً بقضايا الوطن فجوعه هو جوع الوطن ، و حرمانه هو حرمان الوطن ، وتمزقه الروحي هو تمزق وطنٍ بأكمله :
أكاد أسمع العراق يذخر بالرعود و يخزن البروق في السهول و الجبال حتى إذا ما فضّ عنها ختمها الرجال لن تترك الرياح من ثمود , في الوادي من أثر أكاد أسمع النخيل يشرب المطر و أسمع القرى تئن و المهاجرين يصارعون بالمجاذيف و بالقلوع عواصف الخليج و الرعود منشدين مطر .. مطر .. مطر و في العراق جوعٌ ، و ينثر الغلال فيه موسم الحصاد لتشبع الغربان و الجراد ، وتطحن الشوان و الحجر رحى تدور في الحقول . حولها بشر مطر .. مطر .. مطر
فالمطر هنا رمز للثورة التي تقف في وجه الطغيان كي يعود للعراق ألق الماضي الجميل :
في كل قطرة من المطر حمراء أو صفراء من أجنّة الزهر و كل دمعة من الجياع و العراة ، وكل قطرة تراق من دم العبيد فهي ابتسام في انتظار مبسم جديد أو حلمةُ توردت على فم الوليد في عالم الغد الفتي واهب الحياة و يهطل المطر
و الحقيقة أنّ السياب حين مال إلى الاستخدام الأسطوري في شعره استطاع أن ينجح نجاحاً متميزاً و هذا ما أكدته سلمى الخضراء الجيوسي حين قالت : " و كان إدخال الأسطورة الرمزية بنجاح إلى الشعر إنجازاً حداثياً مهماً يدين إلى السياب بوجوده الأساسي ومن بعده توطد العنصر الأسطوري ووجد له تعبيراً قوياً عن طريق استعمال الزمن الأسطوري و النماذج العليا , و في هذا التجديد الآخر كان السياب هو الرائد الأول " . كما حاول في هذه المرحلة التي استخدم فيها الأسطورة إلى بعث قريته جيكور لتتحول إلى رمز للوطن الكبير . الوطن الذي يحتضن الأبناء العائدين إليه :
تلك أمي وإن أجئها كسيحاً لاثماُ أزهارها و الماء فيها ، و الترابا و نافضاً بمقلتي أعشاشها و الغابا
وتعد مرحلة المرض عند السياب هي المرحلة التي يميل فيها إلى الذاتية حيث يخيم شبح الموت على حياته بعد أن حوله المرض إلى جلد و عظم وما عاد يقوى على الوقوف .. نشم رائحة الموت تخرج من ثنايا قصائده و كأنها النذير الأخير :
أهكذا السنون تذهب أهكذا الحياة تنضب ..؟ أحسُّ أنني أذوب ، و أتعب ، أموت كالشجر
هذا الإحساس ليس سهلاً على شاعر بشر بالثورة ، وكان يحلم بحياة أجمل لكن هي إرادة القدر و سيبقى يكتب الشعر ككل المبدعين حتى يسكته الموت ... فهو لا يريد لقلمه أن يموت ولا لموهبته أن تنطفئ يقول :
لأكتب قبل موتي ، أو جنوني ، أو ضمور يدي من الإعياء خوالج كلّ نفسي ، ذكرياتي ، كل أحلامي و أوهامي و أسفح نفسي الثكلى على الورق يقرأها شقي بعد أعوامٍ و أعوام ليعلم أن أشقى منه عاش بهذه الدنيا و آلى رغم وحش الداء و الآلام و الأرق ورغم الفقر أن يحيا
و هكذا نجد أنّ السياب كان الرائد الأول في عالم الحداثة الشعرية أعطى للشعر الكثير ولولا المرض الذي تغلغل في ثنايا حياته ، التي فاحت منها رائحة الموت و عجل بموته سنة 1964 لكان مشروعه الشعري قد اكتمل .. ماقرأناه للسياب من قصائد حتى " شناشيل ابنة الجلبي " هي إبداعات هامة و ثمار طيبة من ثمرات الشعر العربي المعاصر . | |
|