اختلف المسلمون في عيد الغدير كما اختلفوا في غيره من الحوادث التي أسست فكرا إسلاميا متعدد الرؤى ، ولعل غدير خم بحق فاروق المواقف التي شطرت الأمة بين مؤيد ومعارض ، معارضون رضخوا للواقع على مضض لوجود شخص رسول الله {ص}وثقله القيادي والروحي في الأمة ، أرجئوا نقض الغدير لوقت آخر لاستحالة الاعتراض على تنصيب علي{ع} وليا وخليفةَ بعد رسول الله ، وهناك من هو أكثر جرأة على الله ورسوله حين واجه رسول الله {ص} واعترض على أمر الله ورسوله.
يقول الحسكاني عن الصادق {ع} إن صحابي اسمه النعمان بن الحرث الفهري , وفي رواية اسمه النضر بن الحرث , جاء النبي{ص} بعد غدير خم ، فقال له: أمرتنا أن نصلي ونصوم ونحج ونزكي ونجاهد ، فقبلناها ثم لم ترض حتى نصبت علينا هذا الغلام ، فقلت من كنت مولاه فهذا علي مولاه، فهذا شيء منك أم من الله..؟ . فقال{ص} والله الذي لا الاه إلا هو انه من الله ..فرفض أن يتقبل ذلك من الله ورسوله، ولى وهو يقول:{اللهم إن كان هذا هو الحق .!!!! منك فأمطر علينا حجارةً من السماء } كلمة كبيرة وتحدي لله وللرسول وهو صحابي يرى النبي ويسمعه {ص} .. يرفض بكل صلافة نتائج غدير خم ويقول إن كان ذلك هو الحق ...!!!!!!! فأمطر علينا حجارة من السماء ، فدعمت السماء موقف ولي الله فلقي مصيره كافرا مدحورا {سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ لِّلْكَافِرينَ لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ }المعارج آية 1-2..
وكان التشديد في منطق القران حول تنفيذ أمر الغدير وتنصيب الوصي ذلك اليوم ، {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ }المائدة67 ... فجمع الناس لتنفيذ الأمر الإلهي ...روى الإمام أحمد في المسند بسنده عن البراء قال : كنا مع رسول الله {ص} في سفر ، فنزلنا بغدير خم ، فنودي فينا : الصلاة جامعة ، وكسح لرسول الله ، تحت شجرتين ، فصلى الظهر ، فقال : ألستم تعلمون أني أولى بالمؤمنين من أنفسهم ؟ قالوا : بلى ، قال : فأخذ بيد علي ، فقال : من كنت مولاه ، فعلي مولاه ، اللهم وال من والاه ، وعاد من عاداه فلقيه عمر بعد ذلك ، فقال له : هنيئا يا ابن أبي طالب ، أصبحت وأمسيت مولى كل مؤمن ومؤمنة , وذكره المتقي في كنز العمال ...
وروى الحاكم في المستدرك بسنده عن أبي الطفيل عن زيد بن أرقم قال : لما رجع رسول الله {ص} من حجة الوداع ، نزل غدير خم ، أمر بدوحات فأقمن ، فقال : كأني دعيت فأجبت ، إني قد تركت فيكم الثقلين أحدهما أكبر من الآخر ، كتاب الله تعالى ، وعترتي ، فانظروا كيف تخلفوني فيهما ، فإنهما لن يفترقا حتى يردا على الحوض ، ثم قال : إن الله عز وجل مولاي ، وأنا مولى كل مؤمن ، ثم أخذ بيد علي فقال : من كنت مولاه ، فهذا وليه ، اللهم وال من والاه ، وعاد من عاداه / تاريخ اليعقوبي، ج2.
ويبدو من النصوص القرآنية إن الغدير حدث تشريعي كبير امتد على مساحة كبيرة من القران حين نزلت آيات تبين مدى أهمية مناسبة تنصيب ولي الله للناس ذلك اليوم .. ( اليوم يئس الذين كفروا من دينكم فلا تخشوهم واخشون اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا ) وقد حاول التيار المناوئ لآهل البيت {ع} صرف الآية إلى جهة أخرى ، في موضوع إكمال الدين وإتمامه والرضا به ... يقول فخر الدين الرازي قوله تعالى اليوم يئس الذين كفروا من دينكم فلا تخشوهم واخشون .. يقول فلا تخافوا المشركين في خلافهم إياكم فاني أنعمت عليكم بالدولة القاهرة .. ولم يحدد الدولة القاهرة هل هي دولة المدينة المنورة أم هناك مدينة أخرى يعنيها الرازي ، ثم يقول أصبح أعداءكم مقهورين ذليلين وحصل لهم اليأس أن يصيروا قاهرين ومستولين عليكم ... هذا الكلام لو حدثت به جاهلا الآن هل يعقله ويصدقه..؟ أين قوتنا ودولتنا الجبارة , ثم هذه أمريكا وإسرائيل تحتل بلداننا وتسيطر على أراضينا وأرادتنا ، فكيف يئس الذين كفروا من ديننا ولا نخشاهم ...؟ لعل في التفسير شيء آخر لا يريد أن يقوله الرازي وغيره ... ثم يأتي بآراء عديدة يريد أن يخرج من دائرة الآية التي تقرر أمرا مهما يعتبر انتصارا دائما للإسلام ، ، خاصة الآية تعتبر نقطة الشروع بالقوة والتمام والكمال ذلك " اليوم" ... ولننظر إلى آراء أخرى في تفسير هذا النص المبارك وكلها تتحدث عن واقعة الغدير التي نزلت فيها هذه النصوص ......
يقول يوب بن موسى الحسني الكوفي المتوفي عام 1014هـ النص التالي :....
الإكمال: بلوغ الشيء إلى غاية حدوده في قدر أو عدٍّ حساًّ أو معنى..... والتكميل: يرد على المعنى التام فيكمله، إذ الكمال أمر زائد على التمام، يقابل نقصان الأصل، والكمال يطابق نقصان الوصف بعد تمام الأصل.ينظر: الكليات لأبي البقاء أيوب بن موسى الحسيني الكوفي، ... بحث يبين معاني الكلمات دون ولوج روح الآية وغاياتها ، ثم لم يتطرق الكاتب للحادثة التاريخية زمانا ومكانا , يتبين مدى هروب الكتاب والفقهاء من ذكر حقائق الغدير ....
ذكر صاحب الفروقات: قد فُرّق بينهما بأن الإتمام لإزالة نقصان الأصل، والإكمال لإزالة نقصان العوارض بعد تمام الأصل. وقيل: ولذا كان قوله تعالى:تلك عشرة كاملة أحسن من تامة، فإن التام من العدد قد عُلِم، وإنما نفي احتمال نقصٍ في صفاتها. وقيل: تم يُشعر بحصول نقص قبله، وكمُل لا يشعر بذلك.
وقال العسكري: الكمال اسم لاجتماع أبعاض الموصوف به، والتمام اسم للجزء الذي يتم به الموصوف. ولهذا يقال القافية تمام البيت ولا يقال كماله. ويقولون: البيت بكماله أو باجتماعه إن تتابع.
ينظر: فروق اللغات في التمييز بين الكلمات، نور الدين بن نعمة الله الحسيني الجزائري، ص44، الرقم 26، الطبعة الثالثة،طهران 1415هـالمترجم
يقول السيد الطباطبائي في تفسير الآية: الإكمال والإتمام متقاربا المعنى. قال الراغب: كمال الشيء حصول ما هو الغرض منه. وقال: {تمام الشيء انتهاؤه} إلى حد لا يحتاج إلى شيء خارج عنه، والناقص ما يحتاج إلى شيء خارج عنه. ولك أن تحصل على تشخيص معنى اللفظين من طريقٍ آخر، وهو أن آثار الأشياء التي لها آثار، على ضربين. فضرب منها ما يترتب على الشيء عند وجود أجزائه - إن كان له أجزاء - بحيث لو فقد شيئا من أجزائه أو شرائطه لم يترتب عليه ذلك الأمر، كالصوم فإنه يفسد إذا أُخلَّ بالإمساك في بعض النهار، ويسمى كون الشيء على هذا الوصف بالتمام، قال تعالى:ثم أتموا الصيام إلى الليل البقرة: 187.
فيكون قوله فلا تخشوهم لأنكم عرفتم وتعلمتم الرسالة .. وأنا حاميها ومسددها لأنها رسالة خاتمة : {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ }الحجر9 ... هذا كله تعرفونه فلا تخشون عدوكم ... ولكن تمسكوا بدينكم وبأوامر نبيكم .. " فاخشون" فيكون منها الولاية التي نزلت بسببها الآية ... لان من أنكرها وجحد بها قال عنه تعالى ... {سَأَلَ سَآئِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ * لّلْكَافِرِينَ لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ * مّنَ اللّهِ ذِي الْمَعَارِجِ }