علي كاظم درجال الربيعي القمة
عدد المساهمات : 309 نقاط : 792 تاريخ التسجيل : 08/12/2011 العمل : البحوث والادب العربي
| موضوع: الجد الاعلى للنسب التغلبي الأحد أبريل 01, 2012 2:28 am | |
| الجد الاعلى للنسب التغلبي ( ( - 39 ق. هـ = ... - 584 م) --------------------------------- الفارس الشاعر عمرو بن كلثوم التغلبي(ربيعه مفخره الامه ) هوعمرو بن كلثوم بن مالك بن عتاب بن سعد بن زهير بن جشم بن بكر بن حبيب بن عمرو بن غنم بن تغلب بن وائل , الشاعر الجاهلي المشهور , ويكنى أبا الأسود وقيل : ابا عمير , وأمه ليلى بنت المهلهل أخي كليب , وامها هند بن بعج بن عتبة بن سعد بن زهير , تزوجها المهلهل فولدت له ليلى والدة الفارس والشاعر , ويحكى أن المهلهل قال لأمرأته هند بعد ولادتها : أقتليها ( كعادة أهل الجاهلية ) فأمرت خادما ً لها أن تغيّبها عنه, فلما نام هتف به هاتف يقول ::: كم من فتىً مؤمل ** وسيــّد ٍ شمـــــردل وعــدّة لا تجهــل ** في بطن بنت المهلهل ------------------- فاستيقظ فقال : يا هند أين بنتي ؟ قالت : قتلتها , قال : كلاّ وإله ربيعة , فكان أول من حلف بها , فأصدقيني , فأخبرته , فقال : أحسني غذائها ثم رباها وسماها ليلى , وتزوجها كلثوم بن مالك بن عتاب وهو من أبناء عمومتهم , فلما حملت بعمرو أتاها آت ٍ في المنام فقال : ------------------- يا لك ِ ليلى من ولد ** يقدم إقدام الأســد من جشم فيه العدد ** أقول قولا ً لا فند فلما ولدت عمرو أتاها ذلك الآتي فقال : --------------------- أنا زعيــم لـك أم عمــرو ** بما جد الجد كريم النحر أشجع من ذي لبد ٍهزبر ** وقّاص أقران ٍشديد الأسر يســودهـم في خمســــةٍ وعشـــر ------------------------ وكان كما قال : سادهم وهو ابن خمس عشر سنة , وكأن الرجل قد أعد غيبيا ليكون سيد تغلب , تلك القبيلة التي كانت من أشد قبائل الجاهلية وأظهرها رجالا ً وخيلا ً وسلاحا ً حتى زعم بعضهم في قول منسوب لأبي عمرو الشيباني البكري : لو أبطأ الإسلام قليلا ً لأكلت بنو تغلب الناس . أما فيما يتعلق بتفاصيل حياته ونشأته الأولى فلا نعرف عنهما شيئا ً إلا ما ذكرناه من حادثتي أمه وولادته , ولكننا بعد أن نراه فجأة يتسلم قيادة قومه التغلبيين وإمراتهم في سن مبكرة لا تكاد تتجاوز الخامسة عشر من العمر , يتحول عندئذ عمرو بن كلثوم إلى بطل أسطوري يرأس تغلب ويستمد من قوتها ومن تيهها وأنفتها شموخا ً واستكبارا ً , فيغدو ذلك الفارس المقدام الذي يتعالى على الملوك ويستخف من الموت , وينتفض على الذل والدنيّة والمهانة , ويسير بتغلب في خطى السيادة والعزة , ترفده في ذلك نفس أبيّة , وهمة مقدامة تتصاغر العظائم أمام تطلعاتها التي لا تجد في الوجود شيئا ً أبعد من متناول يدها القادرة, وقد جرّ ذلك التعالي الذي بلغ حدّ النزق على تغلب ما لا يحمد عقباه , فقد ذكرت كتب التاريخ أن خلافا ً جديدا ً وقع بين بكر وتغلب بعد الخلاف الذي ألهب من قبل حرب البسوس , وأجتمع في هذه الحادثة عمرو بن كلثوم فارس التغلبيين وشاعرهم , والحارث بن حلزة شاعر البكريين عند الملك عمرو بن هند ملك الحيرة , ينافح كل منهم بقصيدة طويلة عن قومة واصبحت القصائد فيما بعد من المعلقات السبع , ولهذه الحادثة روايتين, الأولى : مفادها أن أناس من بني تغلب أتوا قبيلة بكر يستسقونهم, فطردتهم بكر للحقد الذي كان بينهم بسبب تلك الحرب الآنفة الذكر فمات سبعون رجلا ً عطشا ً, ثم أني بني تغلب اجتمعوا لحرب بني بكر بن وائل, واستعدت لهم بكر حتى إذا التقوا كرهوا الحرب, وخافوا أن تعود الحرب كما كانت , فدعا بعضهم بعضا ً إلى الصلح, فتحاكموا إلى الملك عمرو بن هند, فقال عمرو: ما كنت لأحكم بينكم حتى تأتوني بسبعين رجلا ً من أشراف بكر بن وائل, فأجعلهم في وثاق عندي , فإن كان الحق لبني تغلب دفعتهم إليهم , وإن لم يكن لهم حق أخليت سبيلهم , ففعلوا ذلك وتواعدوا ليوم بعينه يجتمعون فيه, فجاءت تغلب في ذلك اليوم يقودها عمرو بن كلثوم وجاءت بكر بن وائل يقودها النعمان بن هرم , وحدث جدال بين الطرفين في حضرة عمرو بن هند الذي أظهر آنذاك ميلا ً للتغلبيين وآثرهم على البكريين الذين بدورهم أستبدلوا رئيسهم بالحارث بن حلزة . أما الرواية الثانية: فعن أبي عمر الشيباني أنه قال : كان من خبر هذه القصة, أن عمر بن هند الملك - وكان جبّارا ً عظيم الشأن - , جمع بكرا ً وتغلب أبني وائل وأصلح بينهم , أخذ من الحيين رهنا ً, من كل حي مائة غلام ليكف بعضهم عن بعض, فكان أولئك الرهن يكونون معه في مسيرة ويغزون معه فأصابتهم سموم في بعض مسيرهم فهلك عامة التغلبيين وسلم البكريين , فقالت تغلب لبكر , أعطونا ديات أبنائنا , فإن ذلك لكم لازم , فأبت بكر بن وائل فأجتمعت تغلب إلى عمرو بن كلثوم , وأخبروه بالقصة , فقال عمرو : أرى والله الأمر سينجلي عن أحمر أصلع أصم من بني يشكر ( يشكر بطن من بكر ) , فجائت بكر بالنعمان بن هرم أحد بني ثعلبة بن غنم بن يشكر , وجاءت تغلب بعمرو بن كلثوم , فلما أجتمعوا عند الملك , قال عمرو بن كلثوم للنعمان بن هرم : يا أصم جاءت بك أولاد ثعلبة لتناضل عنهم , وهم يفخرون عليك , فقال النعمان : وعلى من أظلت السماء يفخرون ثم لا ينكر ذلك , فقال عمرو بن كلثوم له : أما والله لو لطمتك لطمة ما أخذوا لك بها , فقال النعمان : والله لو فعلت ما أفلت بها قيس بن أبيك , فغضب عمرو بن هند . وكان يؤثر بني تغلب على بكر, وحدثت مشادة بين عمرو بن هند والنعمان بن هرم , كاد فيها عمرو أن يفتك بالنعمان , عندئذ قام الحارث بن حلزة , فارتجل قصيدته تلك إرتجالا ً ( معلقته ), توكأ على قوسه وأنشدها , واقتطم كفه وهو لا يشعر من الغضب حتى فرغ منها , وقيل : أنه توكأ على عنزة ( العنزة : عصا ً في قدر نصف الرمح لها سنامان ) , فأرتزت في جسده وهو لا يشعر . وذكر أبو عبيدة أن عمرو بن هند هذا كان شريرا ً وكان يقال له : مضرّط الحجارة لشدته , والراجح أن الرواية الأولى هي الأصح . بعد أن أظهر عمرو بن هند ميله للتغلبيين على البكريين أستبدلوا البكريين رئيسهم بالحارث بن حلزة , ولكن عمرو بن كلثوم لم يحسن توظيف ذلك الميل لصالح قومه , فراح ينشد أبياتا ً من معلقته في حضرة الملك مليئة بالتيه والتعالي على الناس والحاضرون , وهذا ما احدث ردة فعل في نفس عمرو بن هند الذي نراه بعد أن يستمع إلى أبيات الحارث بن حلزة الهادئة الرزينة يحكم لصالح البكريين , فتستشيط تغلب غضبا ً, ويستشيط شاعرها حماسا ً ومغالاه , وينفض المجتمعون على حزازيات ظلت كامنه في النفوس حتى وجدت لها متنفس في حادثة ثانية ذكرتها كتب الأدب وأدت إلى مقتل الملك عمرو بن هند على يد عمرو بن كلثوم التغلبي. تقول كتب الأدب: ----------------------- أن عمرو بن هند قال ذات يوم لندمائه : هل تعلمون أحدا ً من العرب تأنف أمه من خدمة أمي ؟ فقالوا : نعم عمرو بن كلثوم , فقال : ولم ذلك ؟ قالوا : لأن أباها مهلهل بن ربيعة , وعمها كليب وائل أعز العرب , وبعلها كلثوم بن مالك بن عتاب أفرس العرب , وأبنها عمرو بن كلثوم سيد قومه , فارسل عمرو بن هند ألى عمرو بن كلثوم يستزيره , ويسأله أن يأتي بأمه , فأقبل عمرو بن كلثوم من الجزيرة إلى الحيرة في جماعة من بني تغلب , واقبلت ليلى بنت مهلهل في ظعن من بني تغلب , وأمر عمرو بن هند برواق فضرب فيما بين الحيرة والفرات , وأرسل إلى وجوه أهل مملكته فحضروا , وأتاه عمرو بن كلثوم في وجوه بني تغلب , فدخل عمرو بن كلثوم على عمرو بن هند في رواقه , ودخلت ليلى بنت المهلهل أم عمرو بن كلثوم على هند ٍ في قبة ٍ في جانب الرواق , وهند هي أم عمرو بن هند عمة امرئ القيس بن حجر الشاعر أحد أصحاب المعلقات , وأم أمرئ القيس هي فاطمة أخت كليب ومهلهل بنت ربيعة التغلبي , وقد كان عمرو بن هند الملك أمر أمه أن تنحّي الخدم إذا دعا بالطرف وتستخدم ليلى , فدعا عمرو بن هند بمائدة فنصبها , فأكلوها و ثم دعا بالطرف فقالت هند : ياليلى ناوليني ذلك الطبق , فقالت ليلى : لتقم صاحبة الحاجة إلى حاجتها , فأعادت عليها وألحت , فصاحت ليلى , واذلاه ! , يا لتغلب ؟ فسمعها عمرو بن كلثوم , فثار الدم في وجهه , ونظر إلى عمرو بن هند فعرف الشر في وجهه فقام إلى سيف ٍ لعمرو بن هند معلق على الرواق , ليس هناك سيف غيره , فضرب به رأس عمرو بن هند وقتله , ونادى في بني تغلب , فأنتبهوا جميع ما في الرواق , وساقوا نجائبه وساروا نحو الجزيرة, ففي ذلك يقول عمرو بن كلثوم : -------------------------- بأي مشيئة عمرو بن هند ** تطيع بنا الوشاة وتزدرينا تهددنا وأوعدنا رويــدا ** متى كنـا لأمــك مقتوينـــا ؟ -------------------------- وهذين البيتين من معلقته , وله في نفس الحادثة في قصيدة أخرى ألا من مبلـغ عمـرو بن هنـد ** فما رعيـت ذمامـة من رعيتـا أتغصـب مالكا بذنـوب تيـم ** لقد جـئت المحـارم واعتديتـا فلـولا نعمـة لأبيـك فينــا ** لقد فضـت قناتـك أو ثويتـا أتنسـى رفدنـا بعويـرضـات ** غداة الخيـل تـخفر ما حويتـا وكنا طوع كفـك يا ابن هنـد ** بنـا ترمـي محـارم من رميتـا ستعلـم حيـن تختلف العوالـي ** من الحامـون ثغـرك إن هويتـا ومن يغشى الـحروب بملهبـات ** تـهدم كـل بنيــان بنيتــا إذا جاءت لـهم تسعـون ألفـا ** عـوابسهـن وردا أو كميتــا ---------------------------- ويعلق الدكتور طــه حسين على هذه الحادثة التي روتها أكثر كتب الأدب والتاريخ مستبعدا ً حدوثها , فيقول : وهل من المعقول أن يقتل ملك الحيرة هذه القتلة , ويقف الأمر عند هذا الحد بين آل منذر وبني تغلب من ناحية , وبين ملوك الفرس وأهل البادية من ناحية أخرى ؟ إلا أن الجواب على تساؤلات الدكتور طــه حسين تظهر أن الأمر لم ينتهي بهذه السهولة التي يرى فيها ضربا ً من الخيال واللا معقول , فالذي يراجع رواية الشعر والشعراء لهذه الحادثة يدرك ان التغلبيين فعلوا فعلتهم تلك وذهبوا بعدها إلى البادية , لان عمرو بن هند أمر أن يضرب رواقه بعيدا ً عن مقر ملكه بعض الشئ بين الحيرة والفرات , وقد أدى ذلك إلى تمكن التغلبيين من الذهاب قبل أن تصل جنود الملك القتيل للإقتصاص وإستعادة ما انتهب من أملاك , كما أن تلك الحادثة جرت بعد أن حكم عمرو بن هند لصالح البكريين خصوم التغلبيين و وهذا ما ترك في نفوسهم مضاضة شديدة ليس من السهل على قوم أعزاء أشداء كالتغلبيين غفرانها أو نسيانها , ولذلك فإنهم ترقبوا الفرصة المواتية كي يقتصوا من ذلك الرجل الذي عمل على الإساءة إليهم في المحاكمة الآنفة الذكر, كما أنهم قبل ذلك قتلوا ملوك اليمن من حمير كالتبع اليماني ووزيره حسان , ثم أن مجريات الأحداث لم تقف عند هذا الحد , فقد ظل التغلبيين في حروب مع المناذرة وأحلافهم, فالمنذر الرابع شقيق الملك القتيل طلبهم إلى الجلاء عن الجزيرة حيث لم يستطه هزيمتهم او الأخذ بثأر أخيه, فأموا الشام موطن القساسنة , ذكر ابن الأثير من حوادثهم هناك عدم استقبالهم للحرث بن أبي شمر أحد ملوك غسان عند مروره يوما ً بهم , فنتج عن ذلك قتال شديد بين التغلبيين وبين غسان , ذهب ضحيته عدد كبير من الغساسنه المنهزمين , وبينهم شقيق الملك , وإلى ذلك يشير عمرو بن كلثوم في قوله مخاطبا ً الحرث : --------------------------- هلاّ عطفت على أخيك إذا دعا ** بالثكل , ويل أبيك يا بن أبي شمر وفي عهد أبي قابوس النعمان بن المنذر , عاد التغلبيون إلى الجزيرة , فتصدى المناذرة لمحاربتهم بقيادة المنذر بن ملك الحيرة , وفي هذه المرة أيضا ً كان الإنتصار حليف تغلب , ويستمر عمرو بن كلثوم في قيادة قومه وزعامتهم يقودهم من نصر إلى نصر ومن مكرمة إلى مكرمة , ومن معركة إلى غزاة , يساعده على ذلك قوم رأوا في الحروب وأمتطاء صهوات الخيل وحمل السيوف والأسنه شرفا ً, وأعراف جاهلية رأت في القوة والبسالة طريقا ً إلى العزة والكرامة , وطالة سنين عمرو بن كلثوم فعاش حوالي مئة وخمسين سنة , رأى فيها من ولده وولد ولده خلفا ً كثيرا , وكان إلى جانب كونه فارس تغلب وشاعرها خطيبا ً حكيما ً , فقد روي انه لما حضرته الوفاة جمع بنيه حوله وقال لهم : (( يا بنّي قد بلغت من العمر ما لم يبلغه أحد من آبائي , ولا بد ان ينزل بي ما نزل بهم من الموت , وإني والله ما عيّرت أحدا ً بشئ إلا عيّرت بمثله , إن كان حقا ً فحقا ً , وإن كان باطلا ً فباطلاً , ومن سبّ سُب , فكفوا عن الشتم فإنه أسلم لكم , وأحسنوا جواركم يحسن ثناءكم, وامنعوا من ضيم الغريب فربّ رجلٍ خير من ألف ورد خير من الف خلف , فإذا حُدثتم فعوا , وإذا تحدثتم فأوجزوا , فإن مع الإكثار تكون الأهذار , وأشجع القوم العطوف بعد الكر , كما أن أكرم المنايا القتل , ولا خير فيمن لا رؤية له عند الغضب, ولا من إذا عوتب لم يعتب , ومن الناس من لا يرجى خيره , ولا يخاف شره , فبكؤه خيرُ من درّه , وعقوقه خير من برّه , ولا تتزوجوا في حبكم فإنه يؤدي إلى قبيح البغض ) بهذه الوصية التي ذكرتها كتب الأدب أختتم عمرو بن كلثوم حياته , وهي وصية تبدو وكانها رد على معلقته التي أفقدت قومه بحماستها وغلوها رشدهم وتوازنهم , فأراد أن يعيد إليهم بها ما فقدوه من حكمة ٍ وروية وبعد نظر , وكانت وفاة عمرو في سنه 600 م ومن عقبه العتابي , الشاعر المشهور واسمه كلثوم بن عمرو , وكان كاتبا ً مجيدا ً في الرسائل , وشاعرا ً فحل . تلك هي بعض من سيرة عمرو التاريخية , أما سيرته الأدبية فقد طغت عليها معلقته التي استأثرت بآراء النقاد والدارسين نظرا ً لشهرتها وذيوعها بين الناس , ولم تصل المعلقة برمتها إلينا , بل وصل بعضا ً منها , ويروي أنها كانت ألف بيت , كما كان بنو تغلب يعظمونها ويلقنونها صغارهم , ويتناقلونها أبا ًعن جد , وكابراً عن كابر إلى مدة طويلة من الزمن, فدخها من جراء ذلك بعض الخلط والتزيد, ويقول ابن قتيبة عنها : وهي من جيد شعر العرب القديم , وإحدى السبع , ولشغف تغلب بها وكثرة روايتهم لها قال بعض الشعراء : -------------------------- ألهي بني تغلب عن كل مكرمة ** قصيدة قالها عمرو بن كلثوم يفاخرون بها مذ كان أولهم ** يا للرجــال لفخر غيــر ســؤوم --------------------------- وقد جعل ابن سلاّم الجمحي عمرو بن كلثوم في الطبقة السادسة من الشعراء الذين ترجم لهم , وقال : أربعة رهطٍ لكل واحد ٍ منهم واحدة , أولهم عمرو بن كلثوم .. وله قصيدته التي مطلعها : ألا هبي بصحنك فأصبحينا .. , وذكر أن أبا عبيدة قال : أجود الشعراء قصيدة واحدة طويلة ثلاث نفر : عمرو بن كلثوم والحارث بن حلزة وطرفة بن العبد ( جميعهم وائليون ) , ويروي صاحب الجمهرة أن الذين قدموا عمرو بن كلثوم قالوا : هو من قدماء الشعراء , وأعزهم نفسا ً وأكثرهم امتناعا ًواجودهم واحدة , قال عيسى بن عمر : لله در عمرو بن كلثوم , أي حلس شعر ووعاء علم , لو أنه فيما رغب فيه أصحابه من الشعراء , وإن واحدته لأجود سبعهم , وذكر أن معاوية بن أبي سفيان قال : قصيدة عمرو بن كلثوم وقصيدة الحارث بن حلزة من مفاخر العرب , كانتا معلقتان بالكعبة دهرا ً .
وهكذا يبدو من الأقوال السابقه أن معلقة عمرو قد حظيت بالإهتمام الزائد الذي جعل جهود العلماء منصبه عليها , فألغت بشهرتها كل شعر لعمرو غيرها , وهذا ما حدا بأبي عمرو بن العلاء إلى القول : أن عمرو بن كلثوم لم يقل غير واحدته , ولولا أنه أفتخر في واحدته وذكر مآثر قومه ما قالها . أما سيرته الشخصية فلم تذكر المصادر إلا يسيرا ً عنها , فقد أجمعت كلها تقريبا ً على ذكر ذلك اليسير , وتناولت في شخصية عمرو صفات ٍ ثابته يمكن أن نستشفها من خلال معلقته وهذه الصفات تظهر أن الرجل كان سيدا ً في قومه , وفارسا ً مشهورا ً من فرسان العرب , إضافة إلى كونه شاعرا ً وخطيبا ً, وقد نعتته تلك المصادر بأنه احد فتّاك الجاهلية , أو فتّاك العرب , وهذا يدل على إقدام الشاعر وجرأته التي بلغت في بعض الأحيان إلى التهور , كالذي حدث عند إقدامه على الفتك بعمرو بن هند في رواقه . ذاك هو عمرو بن كلثوم الذي نظر إلى نفسه فوجد أنها تمتلك كل الأسباب التي تخولها أن تفتخر على الناس في مقاييس الجاهلية وأعرافها , فهو صاحب الحسب والنسب , والقوة والسلطان , والشجاعة والأدب, ولذلك راح عمر يتوعد هذا ويهدد ذاك , ويفتك بآخرين دون أن يجد في ذلك غضاضة أو جهلا ً, لأن شرائع العصر فرضت عليه أن يكون دائما ً في موضع المواجه الذي يصدم قبل أن يُصدم , وينقض قبل أن ينقض عليه, بل وأباحت له أن يستقوي على الناس ويتعالى عليهم , لأن في ذلك الإستقواء والتعالى يكمن الفخر وتتحقق العزة ويرهب الجانب . ومن قصائدة الجميلة نقتطف الآتي : ---------------------------- أأجـمع صحبتي سحر ارتحالا ** ولم أشعـر ببين منـك هـالا ولم أر مثـل هالـة في معـد ** تشبـه حسنهـا ألاّ الهـلالا ألا أبلغ بنـي جشم بن بكـر ** وتغلـب كلها نبـأ جـلالا بأن الـماجد البطل ابن عمرو ** غداة نطاع قد صدق القتـالا كـتيبتـه مـلملمـة رداح ** إذا يرمونـها تنبـي النبـالا جزى الله الأغـر يزيد خيـرا ** ولقـاه الـمسـرة والجمـالا بمأخذه ابن كلثـوم بن سعـد ** يزيـد الخيـر نازلـه نـزالا بـجمع من بني قـران صيـد ** يـجيلون الطعـان إذا أجـالا يزيـد يقـدم الشقـراء حتـى ** يروي صدرها الأسـل النهـالا -------------------------- وله أيضا ً : أعمـرو بن قيـس إنَّ نسركم غـدا ** وآب إلى أهل الأصـارم من جشـم أقيس بن عمـرو غـارة بعد غـارة ** وصبـة خيل تحـرب المـال والنعـم إذا أسهلت خبت وإن أحزنت وجـت ** وتحسبهـا جنـا إذا سالـت الجـذم إذا ما وهى غيـث وأمـرع جانـب ** صببـت عليه جحفـلا غانظا لـهم فـإن أنا لم أصبـح سوامـك غـارة ** كريع الـجراد شله الريـح والرهـم فـلا وضعـت أنثـى إليَّ قناعهــا ** ولا فاز سهمي حيـن تجتمع السهـم هوامـــش : ------------------ 1- المؤتلف والمختلف للآمدي . 2- معجم الشعراء للمرزباني . 3- خزانة الأدب . 4- الأغاني . 5- الشعر والشعراء . 6- في الأدب الجاهلي . 7- الجمهرة. 8- طبقات الشعراء . 9- شرح القصائد السبع الطوال الجاهليات . 10- الكامل لإبن الأثير .
| |
|